الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **
أعلم: أن في الصوم خصيصة ليست فى غيره، وهى إضافته إلى الله عز وجل حيث يقول سبحانه (1) أحدهما: أنه سر وعمل باطن ، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء. الثاني: أنه قهر لعدو الله، لأن وسيلة العدو الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، وما دامت أرض الشهوات مخصبة، فالشياطين يترددون الى ذلك المرعى، وبترك الشهوات تضيق عليهم المسالك . وفى الصوم أخبار كثيرة تدل على فضله وهى مشهورة. يستحب السحور، وتأخيره، وتعجيل الفطر، وأن يفطر على التمر. ويستحب الجود في رمضان، وفعل المعروف ، وكثرة الصدقة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ويستحب دراسة القرآن ، والاعتكاف فى رمضان : لا سيما فى العشر الأواخر، وزيادة الاجتهاد فيه. وفى "الصحيحين" من حديث عائشة رضى الله عنها قالت أحدهما : أنه الإعراض عن النساء. الثاني: أنه كناية عن الجد والتشمير فى العمل . قالوا : وكان سبب اجتهاده فى العشر طلب ليلة القدر. فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص: فهو كف النظر ، واللسان، واليد، والرجل ، والسمع ، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية، وهذا الصوم له شروح تأتى فى غير هذا الموضع. من آداب صوم الخصوص: غض البصر، وحفظ اللسان عما يؤذى من كلام محرم أو مكروه ، أو ما لا يفيد ، وحراسة باقي الجوارح. وفى الحديث من رواية البخارى، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : ومن آدابه وبعضها يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الاثنين، ويوم الخميس.وأفضل صوم التطوع صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وذلك يجمع الثلاثة معان: أحدها: أن النفس تعطى يوم الفطر حظها، وتستوفى فى يوم الصوم تعبدها، وفى ذلك جمع بين ما لها وما عليها، وهو العدل والثاني: أن يوم الأكل يوم شكر، ويوم الصوم يوم صبر، والإيمان نصفان : شكر وصبر. والثالث: أنه أشق على النفس من المجاهدة، لأنها كلما أنست بحالة نقلت عنها. فأما صوم الدهر: ففى أفراد مسلم من حديث أبى قتادة رضى الله عنه أن عمر رضى الله عنه سأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كيف بمن يصوم الدهر كله؟ فقال: واعلم: أن من رزق فطنة، علم المقصود بالصوم، فحمل نفسه قد ما لا يعجزه عما هو أفضل منه. فقد كان ابن مسعود قليل الصوم، وكان يقول : إذا صمت ضعفت عن الصلاة وأنا أختار الصلاة على الصوم.وكان بعضهم إذا صام ضعف عن قراءة القرآن، فكان يكثر الفطر حتى يقدر على التلاوة، وكل إنسان أعلم بحاله وما يصلحه .
|